ملخص محاضرة استشهاد الإمام الصادق (ع)

ملخص محاضرة استشهاد الإمام جعفر الصادق (ع) 1446هـ -الشيخ محمد حميد
أعظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالإمام الصادق سلام الله عليه. الحديث حول هذه الشخصية، هو حول بعض الدروس التربوية من حياة الإمام الصادق. بلا شك، إن الإمام لوحده، لولا استجابة الأمة، لو كان هناك قائد مهما عَظُم، مع عدم استجابة الأمة، يكون تأثير هذا القائد …. هذا الإمام …. هذا الرئيس ضعيفًا.
بالتالي، الخط الأول للدفاع أمام الهجمات الفكرية والانحراف الأخلاقي، هو ذلك الخط الذي يكون صناعة الإمام، صناعة إلهية من قبل هذا المعصوم أو القائد الإلهي.
كلما كان المجتمع والأصحاب المحيطين بالإمام سلام الله عليه متأثرين، منصهرين بالإمام، كان تأثير الإمام أكبر. نحن نرى بعض الأمثلة التي ليست مجرد سردٍ للتاريخ، إنما هي شحذ للهمم، واتخاذ للقدوات، وحركة عملية تستنهضني باطلاعي على مثل هذه الشخصيات العظيمة. نفتتح الكلام بهذه الحادثة، وهي حادثة معروفة، لكن في ذيلها أصل المطلب الذي عادةً قد لا يُذكر.
مسلم عند جار كافر، يدخل هذا الكافر إلى الإسلام، فيعرض عليه هذا المسلم – بعبارتنا – كل الأعمال الواجبة والمستحبة، ويبدأ بالصلاة والتعقيبات إلى ما شاء الله، فيثقل عليه. اليوم الأول، اليوم الثاني، في اليوم الثالث يقول هذا الذي أسلم حديثًا إلى ذاك المسلم: “إن هذا الدين ثقيل، هذا الدين صعب، أنا ما أقدر عليه بعد، أنا توّني داخل، إذا كان هذا هو الدين، فأنا لا أستطيع.” في ذيل هذه الحادثة، الإمام يتكلم. يقول الإمام الصادق بأبي وأمي: “إن ولاية بني أمية قامت على السيف والعسف والجور وكذا…” ثم يُعدد الأمور، وأما ولايتنا فبالمداراة والرأفة، والاجتهاد والتقوى والورع. يذكر أمورًا، أن ولايتهم بالسيف وبالشدة والظلم والقتل، هكذا يقيمون أمور الناس. أما ولايتنا، فهي ولاية على القلوب.
فكيف أستفيد من هذا الدرس التربوي من سلوك الإمام الصادق عليه السلام؟ نرى المشهد الأول: شخصية من الشخصيات العظيمة، أؤخر ذكر اسمها إلى آخر بيان تفاصيل الحادثة. الراوي مع الإمام، أحد أصحاب الإمام، وهو من الثقات عنده، يقول: “يا سيدي ومولاي، ابن أخي على دين منحرف، يسمى بدين الجهمية، وهو من أخبثهم.” هذا ابن الأخ طلب من العم، صاحب الإمام، أن يطلب من الإمام أن يلتقيه، ليناظره ويهديه. الراوي دخل على الإمام وذكر له مقالته، فقال له الإمام: “تتخوف علي؟” يقول: “هنا خجلت، عرفت أن كلامي غير مناسب.” فدعا ابن الأخ، دخل على الإمام، أول ما جلس ألقى عليه الإمام سؤالاً، الرواية تقول إنه حار في أمره، فقال: “أمهلني أيامًا أطلب الجواب.” سعى ولم يقدر. بعد أيام، طلبه الإمام، بين له جواب السؤال، وأعطاه أسئلة تهدم المباني الفكرية والعقائدية لمذهبه. حار في أمره أكثر، فقال: “أعطني فرصة حتى أفكر.”
الخلاصة، أنه طلب من عمه أن يطلب من الإمام الصادق أن يلتقيه، فحدد له الإمام موضعًا في الحيرة. يقول الراوي: “ابن أخي سبق الإمام إلى المكان، وأنا كنت أنتظر.” يقول: “رأيت الإمام قادمًا من بعيد على دابته، فأخذ في قلبي الروع والهيبة من جلالته وعظمته.” يقول هذا الشخص، وهو في حال انحرافه: “الهيبة التي شعرت بها، لا أظنها إلا لقرب منزلته من الله.” حتى أنه لم يتفوه وبقي متسمّرًا مكانه، حتى اقترب منه الإمام وابتدره بالكلام. النتيجة: دان بدين الإمام، وصار من أوائل أصحاب الإمام الصادق، حتى أن من حول الإمام، وهم من خاصته، جاء هذا الشخص – من هو؟ هشام بن الحكم – جاء وما اختط عارضاه. اللفتة في هذه الحادثة: الإمام لم يبدأ بالكلام بأسلوب الشدة، بل بالمداراة واللين.
وهناك أمثلة أخرى مثل أبان بن تغلب، الذي قال الإمام عند وفاته: “والله لقد أوجعني موته”. وزرارة بن أعين الذي قضى أربعين سنة يتعلم أحكام الحج من الإمام ولم ينتهِ بعد، فقال له الإمام: “هذا البيت كان يحج له قبل آدم بألفي عام، أتريد أن تنهي مسائله في أربعين سنة؟”.
وفي قصة زيد الشحام، نرى كيف استقبله الإمام وأكرمه وأطعمه وأعطاه مالاً، وقال له: “ما دمت في المدينة فأنت ضيف عندي”. هذه معاملة لا نجدها إلا عند أهل البيت عليهم السلام.
ختامًا، نتعلم من سيرة الإمام الصادق عليه السلام كيف نتعامل باللين والحكمة مع الجميع، سواء كانوا منحرفين أو موالين. هذه الدروس يجب أن تنعكس في سلوكنا مع أهلنا وجيراننا ومجتمعنا.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا من المتبعين لسيرة الإمام الصادق عليه السلام. هذا القلب العطوف الذي عانى الكثير قبل استشهاده، حيث سجنه المنصور وعامله بقسوة، حتى أنه في مرة رمى الأوراق على وجهه الشريف. ومع كل هذا الظلم، ظل الإمام عليه السلام المثال الأعلى في الحلم والعفو.